منتديات الإبداع المطلق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 المقامة الرّمليّة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد
عضو مميز
عضو مميز



عدد المساهمات : 225
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 41

المقامة الرّمليّة Empty
مُساهمةموضوع: المقامة الرّمليّة   المقامة الرّمليّة Emptyالسبت مارس 02, 2013 7:12 pm


المقامة الرّمليّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: كنتُ أخذْتُ عنْ أولي التّجارِيبِ. أنّ السّفَرَ مِرآةُ الأعاجيبِ. فلمْ أزَلْ أجوبُ كلّ تَنوفَةٍ. وأقتَحِمُ كُلّ مَخوفَةٍ. حتى اجتَلَبْتُ كلّ أُطروفَةٍ. فمِنْ أحسَنِ ما لمحْتُهُ. وأغْرَبِ ما استَمْلَحْتُهُ. أنْ حضَرْتُ قاضيَ الرّملَةِ. وكانَ منْ أربابِ الدّولَةِ والصّولَةِ. وقد تَرافَعَ إليْهِ بالٍ في بالٍ. وذاتُ جَمالٍ في أسْمالٍ. فهمّ الشيخُ بالكلامِ. وتِبْيانِ المَرامِ. فمنعَتْهُ الفَتاةُ منَ الإفْصاحِ. وخسأتْهُ عنِ النُباحِ. ثمّ نضَتْ عنها فَضْلَةَ الوِشاحِ. وأنشدَتْ بلِسانِ السّليطَةِ الوَقاحِ:
يا قاضيَ الرّملَةِ يا ذا الـذي في يدِهِ التّمرَةُ والـجَـمْـرَهْ
إليْكَ أشْكو جوْرَ بعْلي الـذي لمْ يحجُجِ البيتَ سوى مـرّهْ
ولَيْتَهُ لمّا قضـى نُـسـكَـهُ وخفّ ظَهراً إذْ رمى الجَمرَهْ
كانَ على رأيِ أبـي يوسُـفٍ في صِلَةِ الحِجّةِ بالعُـمْـرَهْ
هذا على أنّيَ مُذْ ضـمّـنـي إليْهِ لمْ أعْـصِ لـهُ أمْـرَهْ
فمُـرْهُ إمّـا أُلـفَةً حُـلـوَةً تُرْضي وإمّـا فُـرقَةً مُـرّهْ
منْ قبلِ أنْ أخلَعَ ثوْبَ الحَـيا في طاعَةِ الشيخِ أبي مـرّهْ
فقال لهُ القاضي: قد سمِعتَ بما عزَتْكَ إليْهِ. وتوعّدَتْكَ عليْهِ. فجانِبْ ما عرّكَ. وحاذِرْ أنْ تُفرَكَ. وتُعْرَكَ. فجَثا الشيخُ على ثفِناتِهِ. وفجَرَ ينْبوعَ نفثَاتِهِ. وقال:
إسمَعْ عداكَ الذّمُّ قولَ امرئٍ يوضِحُ في ما رابَها عُذرَهْ
واللهِ ما أعْرَضْتُ عنها قِلًى ولا هَوَى قلبي قضى نذرَهْ
وإنّما الدهْرُ عَـدا صـرْفُـهُ فابْـتَـزّنـا الـدُّرّةَ والـذّرّهْ
فمنزِلي قفرٌ كمـا جِـيدُهـا عُطْلٌ منَ الجَزْعَةِ والشّـذْرَهْ
وكنتُ منْ قبْلُ أرى في الهَوى ودينِـهِ رأيَ بـنـي عُـذرَهْ
فمُذْ نَبا الدهرُ هجَرْتُ الدُّمـى هِجرانَ عـفٍّ آخِـذٍ حِـذْرَهْ
ومِلتُ عنْ حَرْثـيَ لا رغـبَةً عنهُ ولكِـنْ أتّـقـي بَـذْرَهْ
فلا تلُـمْ مَـنْ هـذِهِ حـالُـهُ واعطِفْ عليْهِ واحتَمِلْ هَذرَهْ
قال: فالتَظَتِ المرأةُ منْ مَقالِهِ. وانتضَتِ الحُجَجَ لجِدالِهِ. وقالتْ لهُ: ويلَكَ يا مَرْقَعانُ. يا مَنْ هُو لا طَعامٌ ولا طِعانٌ! أتَضيقُ بالولَدِ ذرْعاً. ولكُلّ أكولَةٍ مرْعًى? لقدْ ضلّ فهْمُكَ. وأخطأ سهمُكَ. وسفِهَتْ نفسُكَ. وشقِيَتْ بِكِ عِرسُكَ. فقال لها القاضي: أمّا أنتِ فلوْ جادَلتِ الخنْساء. لانثَنَتْ عنكِ خرْساء. وأما هوَ فإنْ كانَ صدَقَ في زعمِهِ. ودعْوى عُدْمِهِ. فلهُ في همّ قَبْقَبِهِ. ما يشغلُهُ عنْ ذبْذَبِهِ. فأطرَقَتْ تنظُرُ ازوِراراً. ولا تُرجِعُ حِواراً. حتى قُلْنا: قد راجعَها الخفَرُ. أو حاقَ بها الظّفَرُ. فقالَ لها الشيخُ: تعْساً لكِ إنْ زخْرفْتِ. أو كتَمْتِ ما عرَفْتِ! فقالت: ويْحَكَ وهلْ بعْدَ المُنافَرَةِ كتْمٌ. أو بقيَ لنا على سِرٍّ ختْمٌ? وما فينا إلا مَنْ صدَقَ. وهتَكَ صوْنَهُ إذ نطَقَ. فلَيتَنا لاقَيْنا البَكَمَ. ولمْ نلْقَ الحكَمَ. ثمّ التفَعَتْ بوِشاحِها. وتباكَتْ لافْتِضاحِها. وجعلَ القاضي يَعجَبُ منْ خطبِهِما ويُعجِّبُ. ويلومُ لهُما الدّهْرَ ويؤنِّبُ. ثمّ أحْضَرَ من الورِقِ ألْفَينِ. وقال: أرْضِيا بهِما الأجْوَفَينِ. وعاصِيا النّازغَ بينَ الإلْفينِ. فشَكَراهُ على حُسنِ السَّراحِ. وانطَلَقا وهُما كالماء والرّاحِ. وطفِقَ القاضي بعْدَ مسرَحِهِما. وتَنائي شبَحِهِما. يُثْني على أدَبِهِما. ويقول: هل منْ عارِفٍ بهِما? فقال لهُ عينُ أعْوانِهِ. وخالِصَةُ خُلْصانِهِ: أما الشيخُ فالسّروجيّ المشهودُ بفضلِهِ. وأما المرأةُ فقَعيدَةُ رحْلِه. وأمّا تحكُمُهما فمَكيدةٌ من فِعلِهِ. وأُحبولَةٌ من حبائِلِ ختْلِه! فأحْفَظَ القاضيَ ما سمِعَ. وتلهّبَ كيفَ خُدِعَ. ثمّ قال للواشي بهِما: قُمْ فرُدْهُما. ثم اقصِدْهُما وصِدْهُما. فنهضَ ينفُضُ مِذروَيْهِ. ثمّ عادَ يضرِبُ أصْدَرَيْهِ! فقال لهُ القاضي: أظهِرْنا على ما نبَثْتَ. ولا تُخْفِ عنّا ما استَخْبَثْتَ. فقال: ما زِلْتُ أستَقْري الطُّرُقَ. وأستَفتِحُ الغُلُقَ. الى أن أدرَكْتُهُما مُصْحِرَينِ. وقد زمّا مطيَّ البيْنِ. فرغّبتُهُما في العَلَلِ. وكفَلْتُ لهُما بنَيلِ الأمَلِ. فأُشْرِبَ قلبُ الشّيخِ أن ييْأسَ. وقال: الفِرارُ بقُرابٍ أكيَسُ! وقالتْ هيَ: بلِ العوْدُ أحمَدُ. والفَروقَةُ يَكْمَدُ. فلمّا تبيّن الشيخُ سفَهَ رائِها. وغَرَرَ اجتِرائِها. أمسكَ ذَلاذِلَها. ثمّ أنشأ يقول لها:
دونَكَ نُصْحي فاقتَفي سُبْلَـهْ واغني عنِ التّفصيلِ بالجُملَهْ
طيري متى نقّرْتِ عن نخلَةٍ وطلّقِـيهـا بـتّةً بـتْـلَـهْ
وحاذِري العوْدَ إليْهـا ولـوْ سبّلَها ناطورُهـا الأبْـلَـهْ
فخيرُ ما للّـصّ أنْ لا يُرى ببُقْعةٍ فيها لـهُ عَـمْـلَـهْ
ثمّ قال لي: لقدْ عُنّيتَ. في ما وُلّيتَ. فارجِعْ منْ حيثُ جِئْتَ. وقلْ لمُرسِلِكَ إن شِئْتَ:
رُوَيدَكَ لا تُعقِبْ جَـمـيلَـكَ بـالأذى فتُضْحي وشملُ المال والحمد مُنصَدعْ
ولا تتغـضّـبْ مـنْ تـزَيُّدِ سـائِلٍ فما هوَ في صوْغِ اللّسانِ بمُبـتـدِعْ
وإنْ تكُ قد ساءتـكَ مـنـي خَـديعَةٌ فقبلكَ شيخُ الأشعـرِيّينَ قـد خُـدِعْ

فقالَ لهُ القاضي: قاتَلَهُ اللهُ فما أحسَنَ شُجونَهُ. وأملَحَ فنونَهُ! ثمّ إنّهُ أصْحَبَ رائِدَهُ بفرْدَينِ. وصُرّةً منَ العينِ. وقالَ لهُ: سِرْ سَيرَ منْ لا يرَى الالتِفاتَ. الى أن تَرى الشيْخَ والفَتاةَ. فبُلّ يدَيْهِما بهَذا الحِباء. وبيّن لهُما انخِداعي للأدَباء. قال الرّاوي: فلمْ أرَ في الاغتِرابِ. كهَذا العُجابِ. ولا سمِعْتُ بمِثلِه ممّنْ جالَ وجابَ.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقامة الرّمليّة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المقامة البغدادية
» المقامة الصّوريّة
» المقامة الحَجْرِيّة
» المقامة المكّيّة
» المقامة الرّمْليّة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الإبداع المطلق :: منتديات الشعر والأدب العربي :: قسم الأدب العربي :: مقامات الحريري-
انتقل الى: